كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



وعلى الإيمان والمؤمنين من كل أمة وكل دين!
صورتان لا التقاء بينهما في لمحة ولا سمة، ولا لمسة ولا ظل. صورة ترفع البشرية إلى أعلى مراقيها، وصورة تهبط بها إلى أدنى دركاتها. وصورة تمثل الأجيال من وراء الزمان والمكان والجنس والوطن والعشيرة والنسب متضامنة مترابطة متكافلة متوادة متعارفة صاعدة في طريقها إلى الله، بريئة الصدور من الغل، طاهرة القلوب من الحقد، وصورة تمثل البشرية أعداء متناحرين يلقي بعضهم بعضاً بالحقد والدخل والدغل والغش والخداع والالتواء. حتى وهم في المعبد يقيمون الصلاة. فالصلاة ليست سوى أحبولة، والدين كله ليس إلا فخاً ينصبه رأس المال للكادحين!
{ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا ربنآ إنك رءُوف رحيم}..
هذه هي قافلة الإيمان. وهذا هو دعاء الإيمان. وإنها لقافلة كريمة. وإنه لدعاء كريم.
وحين ينتهي السياق من رسم هذه الصورة الوضيئة، ورفعها على الأفق في إطار النور. يعود إلى الحادث الذي نزلت فيه السورة، ليرسم صورة لفريق آخر ممن اشتركوا فيها. فريق المنافقين:
{ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من ورآء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون كمثل الذين من قبلهم قريباً ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهمآ أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزآء الظالمين}..
وهي حكاية لما قاله المنافقون ليهود بني النضير، ثم لم يفوا به، وخذلوهم فيه، حتى أتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب. ولكن في كل جملة قرآنية لفتة تقرر حقيقة، وتمس قلباً، وتبعث انفعالاً، وتُقر مقوماً من مقومات التربية والمعرفة الإيمان العميق.
وأول لفتة هي تقرير القرابة بين المنافقين والذين كفروا من أهل الكتاب: {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب}. فأهل الكتاب هؤلاء كفروا. والمنافقون إخوانهم ولو أنهم يلبسون رداء الإسلام!
ثم هذا التوكيد الشديد في وعد المنافقين لإخوانهم: {لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم}..
والله الخبير بحقيقتهم يقرر غير ما يقررون، ويؤكد غير ما يؤكدون: {والله يشهد إنهم لكاذبون.
لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون}..
وكان ما شهد به الله. وكذب ما أعلنوه لإخوانهم وقرروه!
ثم يقرر حقيقة قائمة في نفوس المنافقين وإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب: {لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون}.
فهم يرهبون المؤمنين أشد مما يرهبون الله. ولو خافوا الله ما خافوا أحداً من عباده. فإنما هو خوف واحد ورهبة واحدة. ولا يجتمع في قلب خوف من الله وخوف من شيء سواه. فالعزة لله جميعاً، وكل قوى الكون خاضعة لأمره، {ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها} فمم يخاف إذن ذلك الذي يخاف الله؟ ولكن الذين لا يفقهون هذه الحقيقة يخافون عباد الله أشد مما يخافون الله.. {ذلك بأنهم قوم لا يفقهون}..
وهكذا يكشف عن حقيقة القوم الواقعة. ويقرر في الوقت ذاته تلك الحقيقة المجردة. ويمضي يقرر حالة قائمة في نفوس المنافقين والذين كفروا من أهل الكتاب، تنشأ من حقيقتهم السابقة، ورهبتهم للمؤمنين أشد من رهبتهم لله.
{لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من ورآء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون}..
وما تزال الأيام تكشف حقيقة الإعجاز في تشخيص حالة المنافقين وأهل الكتاب حيثما التقى المؤمنون بهم في أي زمان وفي أي مكان. بشكل واضح للعيان. ولقد شهدت الاشتباكات الأخيرة في الأرض المقدسة بين المؤمنين الفدائيين وبين اليهود مصداق هذا الخبر بصورة عجيبة. فما كانوا يقاتلونهم إلا في المستعمرات المحصنة في أرض فلسطين. فإذا انكشفوا لحظة واحدة ولوا الأدبار كالجرذان. حتى لكأن هذه الآية نزلت فيهم ابتداء. وسبحان العليم الخبير!
وتبقى الملامح النفسية الأخرى {بأسهم بينهم شديد}.. {تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى} على خلاف المؤمنين الذين تتضامن أجيالهم، وتجمعهم آصرة الإيمان من وراء فواصل الزمان والمكان، والجنس والوطن والعشيرة.. {ذلك بأنهم قوم لا يعقلون}..
والمظاهر قد تخدع فنرى تضامن الذين كفروا من أهل الكتاب فيما بينهم، ونرى عصبيتهم بعضهم لبعض، كما نرى تجمع المنافقين أحياناً في معسكر واحد. ولكن الخبر الصادق من السماء يأتينا بأنهم ليسوا كذلك في حقيقتهم؛ إنما هو مظهر خارجي خادع. وبين الحين والحين ينكشف هذا الستار الخداع. فيبدو من ورائه صدق الخبر في دنيا الواقع المنظور، وينكشف الحال عن نزاع في داخل المعسكر الواحد، قائم على اختلاف المصالح وتفرق الأهواء، وتصادم الاتجاهات. وما صدق المؤمنون مرة، وتجمعت قلوبهم على الله حقاً إلا وانكشف المعسكر الآخر أمامهم عن هذه الاختلافات وهذا التضارب وهذا الرياء الذي لا يمثل حقيقة الحال. وما صبر المؤمنون وثبتوا إلا وشهدوا مظهر التماسك بين أهل الباطل يتفسخ وينهار، وينكشف عن الخلاف الحاد والشقاق والكيد والدس في القلوب الشتيتة المتفرقة!
إنما ينال المنافقون والذين كفروا من أهل الكتاب.
من المسلمين.. عندما تتفرق قلوب المسلمين، فلا يعودون يمثلون حقيقة المؤمنين التي عرضتها الآية في المقطع السابق في هذه السورة. فأما في غير هذه الحالة فالمنافقون أضعف وأعجز، وهم والذين كفروا من أهل الكتاب متفرقو الأهواء والمصالح والقلوب {بأسهم بينهم شديد}.. {تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى}..
والقرآن يقر هذه الحقيقة في قلوب المؤمنين، ليهون فيها من شأن أعدائهم؛ ويرفع منها هيبة هؤلاء الأعداء ورهبتهم. فهو إيحاء قائم على حقيقة؛ وتعبئة روحية ترتكن إلى حق ثابت. ومتى أخذ المسلمون قرآنهم مأخذ الجد هان عليهم أمر عدوهم وعدو الله؛ وتجمعت قلوبهم في الصف الواحد، فلم تقف لهم قوة في الحياة.
والمؤمنون بالله ينبغي لهم أن يدركوا حقيقة حالهم وحال أعدائهم. فهذا نصف المعركة. والقرآن يطلعهم على هذه الحقيقة في سياق وصفه لحادث وقع، وفي سياق التعقيب عليه، وشرح ما وراءه من حقائق ودلائل، شرحاً يفيد منه الذين شهدوا ذلك الحادث بعينه، ويتدبره كل من جاء بعدهم، وأراد أن يعرف الحقيقة من العالم بالحقيقة!
ولم يكن حادث بني النضير هو الأول من نوعه، فقد سبقه حادث بني قينقاع الذي تشير إليه الآية بعد ذلك غالباً:
{كمثل الذين من قبلهم قريباً ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم}..
ووقعة بني قينقاع كانت بعد غزوة بدر وقبل غزوة أحد. وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد. فلما انتصر المسلمون على المشركين في بدر كره اليهود ذلك، وحقدوا على المسلمين أن ينالوا هذا الانتصار العظيم، وخافوا أن يؤثر هذا على موقفهم في المدينة فيضعف من مركزهم بقدر ما يقوي من مركز المسلمين. وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يتهامسون به وما يفكرون فيه من الشر، فذكرهم العهد وحذرهم مغبة هذا الاتجاه. فردوا رداً غليظاً مغيظاً فيه تهديد. قالوا: يا محمد. إنك لترى أنا قومُك! لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة. إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس!
ثم أخذوا يتحرشون بالمسلمين؛ وذكرت الروايات من هذا أن امرأة من العرب قدمت ببضاعة لها فباعتها بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا بها، فصاحت: فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله. وشدت يهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمين. فغضب المسلمون، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع.
وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه.
فقام رأس المنافقين عبد الله ابن أبي ابن سلول يجادل رسول الله عنهم، باسم ما كان بينهم وبين الخزرج من عهد! ولكن الحقيقة كانت هي هذه الصلة بين المنافقين وإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب! فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهاية أن يجلوا عن المدينة، وأن يأخذوا معهم أمواهم ومتاعهم إلا السلاح ورحلوا إلى الشام.
فهذه هي الواقعة التي يشير إليها القرآن ويقيس عليها حال بني النضير وحقيقتهم.. وحال المنافقين مع هؤلاء وهؤلاء!
ويضرب للمنافقين الذين أغروا إخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب بالمقاومة، فانتهوا بهم إلى تلك النهاية البائسة. يضرب لهم مثلاً بحال دائمة. حال الشيطان مع الإنسان، الذي يستجيب لإغرائه فينتهي وإياه إلى شر مصير:
{كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهمآ أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزآء الظالمين}..
وصورة الشيطان هنا ودوره مع من يستجيب له من بني الإنسان، تتفقان مع طبيعته ومهمته. فأعجب العجب أن يستمع إليه الإنسان. وحاله هو هذا الحال!
وهي حقيقة دائمة ينتقل السياق القرآني إليها من تلك الواقعة العارضة. فيربط بين الحادث المفرد والحقيقة الكلية، في مجال حي من الواقع؛ ولا ينعزل بالحقائق المجردة في الذهن. فالحقائق المجردة الباردة لا تؤثر في المشاعر، ولا تستجيش القلوب للاستجابة. وهذا فرق ما بين منهج القرآن في خطاب القلوب، ومنهج الفلاسفة والدارسين والباحثين!
وبهذا المثل الموحي تنتهي قصة بني النضير. وقد ضمنت في ثناياها وفي أعقابها هذا الحشد من الصور والحقائق والتوجيهات. واتصلت أحداثها المحلية الواقعة بالحقائق الكبرى المجردة الدائمة. وكانت رحلة في عالم الواقع وفي عالم الضمير، تمتد إلى أبعد من حدود الحادث ذاته، وتفترق روايتها في كتاب الله عن روايتها في كتب البشر بمقدار ما بين صنع الله وصنع البشر من فوارق لا تقاس!!
وعند هذا الحد من رواية الحادث والتعقيب عليه وربطه بالحقائق البعيدة المدى يتجه الخطاب في السورة إلى المؤمنين، يهتف بهم باسم الإيمان، ويناديهم بالصفة التي تربطهم بصاحب الخطاب، وتيسر عليهم الاستجابة لتوجيهه وتكليفه. يتجه إليهم ليدعوهم إلى التقوى. والنظر فيما أعدوه للآخرة، واليقظة الدائمة، والحذر من نسيان الله كالذين نسوه من قبل، ممن رأوا مصير فريق منهم، وممن كتب عليهم أنهم من أصحاب النار:
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفآئزون}..
والتقوى حالة في القلب يشير إليها اللفظ بظلاله، ولكن العبارة لا تبلغ تصوير حقيقتها.
حالة تجعل القلب يقظاً حساساً شاعراً بالله في كل حالة. خائفاً متحرجاً مستحيياً أن يطلع عليه الله في حالة يكرهها. وعين الله على كل قلب في كل لحظة. فمتى يأمن أن لا يراه؟!
{ولتنظر نفس ما قدمت لغد}..
وهو تعبير كذلك ذو ظلال وإيحاءات أوسع من ألفاظه.. ومجرد خطوره على القلب يفتح أمامه صفحة أعماله بل صفحة حياته، ويمد ببصره في سطورها كلها يتأملها وينظر رصيد حسابه بمفرداته وتفصيلاته. لينظر ماذا قدم لغده في هذه الصفحة.. وهذا التأمل كفيل بأن يوقظه إلى مواضع ضعف ومواضع نقص ومواضع تقصير، مهما يكن قد أسلف من خير وبذل من جهد. فكيف إذا كان رصيده من الخير قليلاً، ونصيبه من البر ضئيلاً؟ إنها لمسة لا ينام بعدها القلب أبداً، ولا يكف عن النظر والتقليب!
ولا تنتهي الآية التي تثير كل هذه المشاعر حتى تلح على القلوب المؤمنة بمزيد من الإيقاع:
{واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون}..
فتزيد هذه القلوب حساسية ورهبة واستحياء.. والله خبير بما يعملون..
وبمناسبة ما تدعوهم إليه هذه الآية من يقظة وتذكر يحذرهم في الآية التالية من أن يكونوا {كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم}.. وهي حالة عجيبة. ولكنها حقيقة.. فالذي ينسى الله يهيم في هذه الحياة بلا رابطة تشده إلى أفق أعلى، وبلا هدف لهذه الحياة يرفعه عن السائمة التي ترعى. وفي هذا نسيان لإنسانيته. وهذه الحقيقة تضاف إليها أو تنشأ عنها حقيقة أخرى، وهي نسيان هذا المخلوق لنفسه فلا يدخر له زاداً للحياة الطويلة الباقية، ولا ينظر فيما قدم لها في الغداة من رصيد.
{أولئك هم الفاسقون}.. المنحرفون الخارجون.
وفي الآية التالية يقرر أن هؤلاء هم أصحاب النار، ويشير للمؤمنين ليسلكوا طريقاً غير طريقهم وهم أصحاب الجنة. وطريق أصحاب الجنة غير طريق أصحاب النار:
{لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون}..
لا يستويان طبيعة وحالاً، ولا طريقاً ولا سلوكاً، ولا وجهة ولا مصيراً، فهما على مفرق طريقين لا يلتقيان أبداً في طريق. ولا يلتقيان أبداً في سمة. ولا يلتقيان أبداً في خطة. ولا يلتقيان أبداً في سياسة. ولا يلتقيان أبداً في صف واحد في دنيا ولا آخرة..
{أصحاب الجنة هم الفائزون}.. يثبت مصيرهم ويدع مصير أصحاب النار مسكوتاً عنه. معروفاً. وكأنه ضائع لا يعني به التعبير!
ثم يجيء الإيقاع الذي يتخلل القلب ويهزه؛ وهو يعرض أثر القرآن في الصخر الجامد لو تنزل عليه: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}.
وهي صورة تمثل حقيقة. فإن لهذا القرآن لثقلاً وسلطاناً وأثراً مزلزلاً لا يثبت له شيء يتلقاه بحقيقته. ولقد وجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما وجد، عندما سمع قارئاً يقرأ: {والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع} فارتكن إلى الجدار. ثم عاد إلى بيته يعوده الناس شهراً مما ألم به!
واللحظات التي يكون فيها الكيان الإنساني متفتحاً لتلقي شيء من حقيقة القرآن يهتز فيها اهتزازاً ويرتجف ارتجافاً. ويقع فيه من التغيرات والتحولات ما يمثله في عالم المادة فعل المغنطيس والكهرباء بالأجسام. أو أشد.